وقفات مع محاضرة بابا روما
تصريح بابا روما ( بنديكتوس ) السادس عشر الذي أغضب المسلمين وهز مشاعرهم ودفعهم إلى الشجب والاستنكار ومطالبته بالاعتذار. يجب أن يوضع في إطاره الصحيح لأنه مرتبط بتصريحات ومواقف سبقته ولا بد لنا فيما يلي من توضيح ما قاله هذا البابا ثم نعرج على أقوال من سبقه من قادة ومفكري أوربا و أمريكا ثم نناقش فيما إذا كان الاعتذار هو الحل المطلوب أو أن الحل هو غير ذلك.
أقوال البابا :
تطرق البابا خلال محاضرة له في جامعة ” ريغينسبورغ ” جنوب ألمانيا عن العلاقة بين العقل والعنف في الديانة الإسلامية واستشهد بهذه المناسبة بكتاب للامبراطور البيزنطي مانويل الثاني ( 1350 – 1425 ) وفي هذا الكتاب الذي يحمل عنوان (( حوارات مع مسلم المناظرة السابعة )).
يقول البابا: أريد أن أتطرق إلى نقطة واحدة فقط – هامشية نسبياً في الحوار- أسرتني وتتعلق بموضوع الإيمان والعقل وتشكل نقطة انطلاق لتأملاتي في هذا الموضوع: في المناظرة السابعة التي حررها البروفيسور خوري ([1]) يتطرق الإمبراطور إلى موضوع الجهاد. كان الإمبراطور يعرف أن الآية 256 من السورة الثانية (سورة البقرة) تقول: ((لا إكراه في الدين)) وقال الخبراء أن هذه واحدة من أوائل السور وتعود إلى الحقبة التي لم يكن لمحمد سلطة فيها وكان مهدداً. لكن الإمبراطور كان يعرف أيضاً وصايا الجهاد التي كانت بطبيعة الحال متضمنة في القرآن. وبدون أن يتوقف عند التفاصيل. مثل الفرق في معاملة المؤمنين والكفار يطرح على محاوره بفظاظة مفاجئة بالنسبة لنا. السؤال المركزي بين الدين والعنف ويقول:
“أرني ما الجديد الذي جاء به محمد لن تجد إلا أشياء شريرة وغير إنسانية مثل أمره بنشر الدين الذي كان يبشر به بحد السيف … ويفسر الإمبراطور بعد هذه الكلمات القوية جداً وبالتفصيل لمإذا يكون نشر الإيمان بالعنف مناف للعقل؟ فعنف كهذا مخالف لطبيعة الله ولطبيعة الروح. الله لا يحب الدم والعمل بشكل غير عقلاني مخالف لطبيعة الله. الإيمان هو ثمرة الروح وليس الجسد. من يريد حمل الإيمان لأحد يجب أن يكون قادراً على التحدث بشكل جيد والتفكير بشكل سليم وليس بالعنف والتهديد…”.
هذا أهم ما قاله البابا ” بنديكتس ” السادس عشر في محاضرته فهل قوله هذا زلة لسان لخطيب يرتجل أقواله كما يحدث في بلادنا أم هو موقف ثابت وعقيدة راسخة في نفسه؟!
يقول الشيخ يوسف القرضاوي متسائلاً: ” إن كان الحبر الأعظم يريد أن نغلق أبواب الحوار ونستعد لحرب أو حروب صليبية جديدة؟ “.
وأضاف القرضاوي ” ليست هذه المرة الأولى التي يقف البابا الحالي من الإسلام والمسلمين موقفاً سلبياً يظهر فيه الإهمال أو التوجس أو ما هو أكثر”.
لا أدري عن أي حوار يتحدث الشيخ فهذا البابا في السبعينيات من سني عمره وكان من قبل أستإذا للاهوت وما قاله ونقله عن الإمبراطور البيزنطيي قناعة راسخة عنده تحدث عنها في كتابه ” بلا جذور ” كما قال الذين اطلعوا على الكتاب وطالما حذّر من تزايد المسلمين في أوربا الذي يقابله إحجام النصارى عن الزواج والتكاثر وفضلاً عن ذلك فهو يعتقد بأن الإسلام دين وثني وليس دين توحيد ويدعو إلى العنف والإرهاب.
– وإذا كانت هذه هي عقيدة هذا البابا فأظن أن الشيخ القرضاوي وغيره من دعاة الحوار لم ينسوا بأن مؤسسة الفاتيكان في عهد ” يوحنا بولس ” رفضت الاعتذار للمسلمين عن الحروب الصليبية كما فعلت مع اليهود.
– في قضية إساءة الصحيفة الدانماركية لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لم تتوقف الأمور عند حدود الدانمارك ورئيس وزرائها بل تضامنت معها دول أوربا كلها بحجة حرية الصحافة وهي حجة واهية.
– البابا أمام غضبة المسلمين العارمة أعلن عن أسفه وليس عن اعتذاره … أسفه فهو لا يريد الإساءة لأحد ولكن هذا هو دينه وبمثل هذا قال البطريرك صفير في لبنان وأضاف: الرد على البابا سياسي وليس دينياً أما بطريرك القدس ميشيل الصباح فدافع عن موقف البابا ورفض مبدأ الاعتذار.
– الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش يتحف العالم دائماً بتصريحات تعبر عن رأي الأغلبية التي اختارته ففي أول ظهور له بعد أحداث ( 11/9/2001) تفاخر برعاة البقر (cowboys) وبتاريخهم الناصع وطالب شعبة بالعودة إلى تلك العقلية ثم دعا إلى حروب صليبية جديدة.
أما هذا العام فقد أعلن حربه على ” الفاشيين الإسلاميين” وقد كان مصطلحه الجديد موضع استنكار المسلمين الأمريكان ومما قاله أحد مسؤوليهم: ” المشكلة في هذا التعبير إنه يربط دين الإسلام بالطغيان والفاشية بدلاً من حصر الخطر في جماعة معينة من الأفراد”. وقال أيضاً إن هذا التعبير يلقي بالشكوك والشبهات على كافة المسلمين حتى الأغلبية العظمى التي تريد العيش في سلام كغيرهم من الأمريكان…الخ”.
– وبمناسبة ذكرى أحداث سبتمبر لهذا العام قال عبدالملك مجاهد رئيس مجلس المنظمات الإسلامية لشيكاغو الكبرى:
” خلال الخمس سنوات الماضية جرى التدقيق مع الجالية الإسلامية من قبل كل أفرع الحكومة وأجهزة الإعلام تقريباً إلى حد أن هذه العملية طالت بشكل مباشر أكثر من نصف مليون مسلم وأردف قائلاً للصحفيين في بداية الاجتماع السنوي للجمعية الإسلامية لأمريكا الشمالية وهو أكبر تجمع سنوي للمسلمين الأمريكيين والكنديين ” إنهم ما زالوا يواجهون تجريدهم من الصفات الإنسانية ” وأضاف: ” إن اتجاهات الخوف من الإسلام تتفاقم مع الأسف ” وأنحى باللائمة في هذا الموقف على التلفزيون الذي يحركه صانعو الإعلام والزعماء السياسيين.. وأشار مجاهد إلى تصريح أدلى به الرئيس جورج بوش في الآونة الأخيرة قال فيه: أنه إذا لم يتم دحر الإرهاب في بغداد فإنه سيتعين على الأمريكان وقتئذٍ محاربته في شوارعهم بوصفه تصريحاً يثير شكوكاً حول المسلمين في بلدهم”.
– طارق غفور مساعد مدير شرطة العاصمة البريطانية لندن سيكشف سياسة التفرقة التي يتعرض لها المسلمون من قبل الهيئات التي تقوم بتنفيذ القانون في البلاد عندما يتحدث أمام مؤتمر الجمعية الوطنية للشرطة السود المنعقد حالياً في مدينة مانشستر وسيخبر غفور المؤتمر أن سلطات توقيف تفتيش الأفراد وإعداد الملفات عن البعض تستند على مظهر الشخص وسيدعو أيضاً لإجراء مراجعة قضائية مستقلة في أسباب جنوح بعض الشباب المسلم نحو التيار الراديكالي.
ووفقاً لصحيفة الغارديان البريطانية فإن غفور سيخبر المؤتمرين أيضاً أن: التشريعات المتعلقة بمكافحة الإرهاب وقضية الأمن ليست هي وحدها التي جرى التشدد بها في أنحاء الدول الأوربية الأمر الذي انعكست نتائجه على المسلمين من خلال التمييز غير المباشر ضدهم وسيضيف غفور: لا بل قد برزت على حد سواء ممارسات غير مرغوبة بما فيها إعداد ملفات عن المسافرين وحالات متزايدة لإيقاف وتفتيش الأفراد وحتى إلقاء القبض عليهم في إطار التشريع الخاص بمكافحة الإرهاب.
وتقتبس الصحيفة من نص الكلمة التي سيلقيها غفور أمام المؤتمر إذ سيقول: هناك خطر حقيقي من أن تعبير مكافحة الإرهاب يجري استخدامه من قبل هيئات ووكالات تطبيق القانون المختلفة إلى درجة أن هناك خطراً حقيقياً من تجريم الجاليات التي تمثل الأقليات في البلاد. ويضيف: يأتي إثر ذلك في الوقت الذي نحتاج فيه إلى الوثوق بتلك الجاليات التي قد تلجأ إلى الانغلاق على نفسها”.
وإذن : ما قاله بابا روما في محاضرته التي أثارت غضب المسلمين في العالم هو تلخيص دقيق لأقوال ومواقف الفاتيكان والمرجعيات النصرانية الأخرى في أوربا وأمريكا وجميع بلاد العالم. ولا يخرج عن هذا التلخيص مواقف القادة الذين يتولون شؤون الحكم في بلاد الغرب لكنهم يغلفون مواقفهم بأساليب تقطر نفاقاً وخداعاً وتضليلاً.
ومن هذا المنطلق وبهذه الروح كتب المستشرقون كتبهم وأبحاثهم وعلى هذا الأساس أقاموا مراكز دراساتهم. وقد يحتج بعض المثقفين المسلمين بأقوال أخرى مغايرة لكنها ستبقى محدودة جداً ولا يعدم الباحث وجود مثل هذه الحالات في عهد الحروب الصليبية أما أقوال البابا فتمثل موقف من بأيديهم القرارات الحاسمة وهؤلاء الذين انتخبهم النصارى لتمثيلهم في جميع مناحي الحياة.
وإذا كانت هذه هي عقيدة النصارى واليهود بنبينا صلى الله عليه وسلم وبديننا وقرآننا فعقيدتنا أن اليهود والنصارى كفار. قال تعالى: ” لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد ” ( المائدة: 73)
وقال جلَّ وعلا: “وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيحُ ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون” (التوبة: 13)
بابا روما ينقد المسلمين لأن نشر الإيمان بالجهاد منافٍ للعقل… الخ وبغض النظر عن تجاهله لأحكام الجهاد فهل من العقل أن يكون الله جلَّ وعلا ( خلطة معقدة ) تتألف من الإله الأب وهو الله والإله الابن وهو عيسى والإله الروح القدس وهو الروح التي حلت بمريم؟!
ولو استطاعوا إقناع شعوبهم بهذه (الخلطة) لما كانت كنائسهم مهجورة وأكثرية شبابهم يصرحون بعدم إيمانهم بعقيدة النصارى وأنهم لا دين لهم؟! قال تعالى: “وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب. ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد” ( المائدة: 115 – 117 و)
وقصارى القول:
– النصارى كفار كفراً يخرجهم من دائرة الإيمان ومن الأدلة على ذلك: صريح القرآن الذي لا يحتمل تأويلاً مخالفاً وصحيح السنة وإجماع الأمة. والكفر الذي يخرج من دائرة الإيمان أنواع وهذا الذي أشرنا إليه أحد هذه الأنواع.
– ومع كفرهم فقد حفظ لهم الإسلام حقوقاً شهد بعدالتها كثير من عقلاء الغرب ويجب أن نكون اليوم وغداً أمناء في المحافظة على حقوقهم فلا نعتدي عليهم ولا على كنائسهم بسبب وقاحة أقوال البابا وسفاهة الرئيس الأمريكي جورج بوش وغيرهما ممن يتطاولون على ديننا.
– أطالب العلماء عملاً بالقاعدة الشرعية ( لا يجوز تأخير البيان عند الحاجة إليه)أن يحذروا الناس من مؤلفات الجهلة المتفيهقين الذين يداهنون النصارى فيزعمون أنهم مؤمنون وأنه لا يجوز القول بكفرهم.. وبهذه المناسبة أطالب فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن يحذر من البطانة المحيطة به فبالأمس قال كلمة حق في الشيعة جواباً على سؤال بعد الانتهاء من محاضرة له في القاهرة فقال أحد بطانته: هذه زلة لسان من الشيخ والناس يعرفون أن هذا القائل مقرب من الشيخ ويكاد أن يكون متحدثاً باسمه وفي محاضرة له بدار الرعاية بلندن قال كلاماً غريباً في شرح حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي بشرنا فيه بفتح المسلمين لروما وهذا غير ما قاله في إحدى الفضائيات عن إيمان النصارى الذي عاد وصححه في خطبة الجمعة بعد اعتراضات كثيرة وجهت إليه ولكن حضور خطبة الجمعة لا يقارنون بالملايين الذين سمعوا أقواله في الفضائية.
– جميل جداً أن يغضب المسلمون لدينهم ويعبرون عن استنكارهم لوقاحة البابا ولكن الاعتذار ليس هو الحل وإلا فسنبقى نتظاهر ونستنكر وهم سوف يستمرون بالهجوم على نبينا وقرآننا وأركان ديننا.. الحل هو أن نكون أصحاب المبادرة فنبين على كافة الأصعدة فساد ما يعتقدون وبراءة دين المسيح عليه السلام منهمومن دينهم الذين يدينون به اليوم.
– نحن نؤمن بحوار الحضارات ولكننا نعترض على نوعية وأساليب ودوافع المحاورين من جهة المسلمين فالحوار ليس نفاقاً ومجاملة وإنما الحوار أن نحاورهم كما حاور رسول الله صلى الله عليه وسلم نصارى نجران. وليس في ديننا ما نستحي أو نخجل من إعلانه مع الاعتزاز به وكثيراً ما أسمع من الذين يحاورونهم: اتفقنا على مواجهة انتشار المخدرات ثم يذكرون أموراً أخرى هي من مهمات مكافحة المخدرات والفساد في وزارات الداخلية.
ومن جهة أخرى فالغربيون ومعهم أمريكا لا يؤمنون إلا بصراع الحضارات ولينظر من شاء إلى احتلالهم لأفغانستان والعراق وموقفهم ودعمهم للعدوان الصهيوني المستمر على فلسطين أما موقفهم من العدوان الصهيوني على لبنان فليس عنا ببعيد ولا أعدو الحقيقة عندما أقول: جروحنا مثخنة من ضرباتهم الوحشية في كل بلد من بلدان العالم الإسلامي فأين.. أين حوار الحضارات الذي يتبجحون به.
أسأل الله تعالى أن يخذل بوش وبابا روما ومن نهج نهجهما وأن يعز دينه وينصر عباده الموحدين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
(1) هو تيودور خوري أستاذ اللاهوت الألماني واللبناني الأصل وهو الذي نشر كتاب الإمبراطور في الستينيات من القرن الماضي.