حوار في الشأن السوري
قال: في نهاية جلستنا الماضية قلت لي : الحكام شيء والشعوب شيء آخر، ولا يصح الخلط بينهما ، فدعني في بداية هذه الجلسة أن أتوجه إليك بالسؤال التالي: مإذا قدّمت لنا هذه الشعوب خلال أكثر من أربعين عاما من الضنك الشديد ، لنأخذ دول الخليج كمثال على ذلك لأنها من أقرب الدول العربية إلينا ، ومن أكثرها تأثيرا على شؤوننا العامة. إن حكام هذه الدول يداهنون لهذا القرمطي الذي ابتلينا به ، كما داهنوا لأبيه من قبله ، ويقدمون له كافة أنواع الدعم : اقتصاديا كان أو سياسيا، وهو يقدّم لهم كافة أنواع الغدر والخيانة .
وأخطر أنواع هذه الخيانة تحالفه مع الأكاسرة الجدد في إيران الذي بدأ عام 1971م والتمهيد له سبق انقلاب الأسد على زملائه في عام 1970م . لقد ابتلع هذا التحالف الخبيث العراق وسورية ولبنان ، وقدّم حكام الخليج شيئا من المساعدة لهذا الحلف الذي لازال يهددنا في البحرين واليمن بل وفي عقر ديارنا .. يهددنا في ديننا ، وانتمائنا العربي ، وفي مستقبلنا ووحدة أمتنا. قل لي مإذا فعلت دول الخليج تجاهنا وتجاه حكامهم ؟!
قلت : أوافقك دون أدنى تردد بأن حكام الخليج داهنوا للأسدين ، بل إن السعودية كان لها دور ما في انقلاب الأسد على زملائه في عام 1970م ، وهي التي قدمته للأمريكان ، واستمرت تقوم بدور الوسيط ، ورمت بثقلها من أجل نقل السلطة إلى الابن المعتوه بعد هلاك أبيه ، وكان الملك الحالي عبد الله بن عبد العزيز هو الذي يمثل السعودية في عهود : فيصل ، وخالد ، وفهد ، وفي عهده ، ولولا اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005م ، واتهام الأسد ورجال أمنه ، وإيران وحزبها المدلل في لبنان لاستمرت الصلة حتى يومنا هذا ، واستمر دفاع النظام الحاكم في الرياض عن هذا القرمطي الشعوبي الحاقد ، مع أنهم يعرفون الكثير .. الكثير عن : أخلاقهم ، وديانتهم ، وفسادهم ، وكرههم لكل ما هو عربي وإسلامي.
وليس لشعوب الخليج أدنى صلة بما فعله حكامهم ، ولا يجوز أخذ البريء بحجة المتهم ، وجلّ من قائل : ” ولا تزر وازرة وزر أخرى “.
قال : أبصر قولك : “إن السعودية كان لها دور ما في انقلاب الأسد على زملائه عام 1970م “. لم أسمع بمثل هذا من قبل !! وجل الذي أعلمه ، ويعلمه غيري ، أن المصالح وحّدت مواقف البلدين في فترات معينة ، فهل لديك أدلة تغيّر مما أنا مقتنع به ؟!
قلت : نعم ، أنا أعني جيدا ما قلت ، ولعلنا نعود إلى الإجابة على سؤالك هذا في جلسة قادمة ، لأن موضوع هذه الجلسة هو بيان موقف شعب الخليج من شؤون وشجون العالمين : العربي والإسلامي .
قال : تفضل .
قلت : سأحدثك عن السعودية كبلد عشت فيه ، وعرفت أهله جيدا ، واستمرت علاقاتي مع أهله عندما أخرجني الظالمون منه ، ثم عشت في الكويت ردحا من عمري .. وسألتزم فيما أذكره قول الله تعالى : ” وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى ” ، الأنعام ، الآية : 152 ، وقوله : ” يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى ، واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ” ، المائدة ، الآية : 8 .
ابتداءً لا أقول العلاقات بين أهل الشام وأهل الخليج قديمة وعريقة وإنما أقول: هم منا ونحن منهم ، ويحضرني هنا قول الشاعر :
هما وطن فرد وقد فرقوهما لحا الله بالتشتيت شمل المفرق
وكذلك كان الحال منذ أيام الجاهلية ، فليس هناك حدود ولا حواجز وجوازات سفر ، ثم جاء الفتح فتذكر الصحابة رضوان الله عليهم أحاديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم في فضل الشام ، وكونها أرض الرباط ، فأحبوها واتخذوها موطنا لهم ، ولا تخلو بقعة فيها من قبر صحابي أو تابعي مات شهيدا في سبيل الله أو مات موتة طبيعية بعد حياة حافلة بالجهاد أو بالدعوة إلى الله تعالى . وأكثر أهل الشام من هذه الذرية الطاهرة الكريمة .
وفي العصر الحديث ، أي قبل اكتشاف النفط ، كان أهل شبه الجزيرة العربية يعيشون حياة البؤس والفاقة بل والمجاعة أحيانا ، وكانوا يبحثون عن لقمة العيش في كل مكان حتى في الهند ، وكان أهل الشام يعيشون في رغد من العيش قبل أن يبتليهم الله بالانقلابات العسكرية وببني نصير، وبدهي أن تكون بلاد الشام من أهم المناطق التي يقصدونها للعمل ، ومن تتبع خط سير قوافلهم ، يجد عائلات من قبائل شبه الجزيرة العربية استوطنت هذه المناطق ، وأقامت قرى وأحياء في مدن أو عاشوا حياة البادية متنقلين من منطقة لأخرى .. وهؤلاء اليوم يحملون الجنسية السورية أو الأردنية أو الفلسطينية .
وعندما أشاد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود مملكته منذ أكثر من مائة عام استعان برجالات الشام في سائر مرافق دولته : ففي مجال التعليم استعان بالعلامة الشيخ كامل القصاب في منتصف العشرينيات من القرن الماضي ، وبالشيخ بهجت البيطار من بعد القصاب ، وفي الشؤون الأخرى من الحكم اختار : يوسف ياسين ] وهو من مدينة اللاذقية ومن أسرة سنية معروفة ، وليست نصيرية كما أشاع البعض [ ، وخالد الحكيم ، وخير الدين الزركلي ، ومدحت شيخ الأرض ، ورشاد فرعون ، وعشرات غيرهم ولايزال أبناء هؤلاء وأحفادهم يعملون كمواطنين سعوديين في السلك السياسي والتعليمي والصحي ، وفي التجارة وفي كل ما يعزز العلاقات بين البلدين .
قال : هذا الذي ذكرته قد يستفيد منه من يريد دراسة العلاقات بين البلدين ، ولكنك لم تجبني على السؤال الذي كررت طرحه عليك : مإذا قدّم الشعب العربي في السعودية وبقية دول الخليج ، لنا في سورية وللأمة الإسلامية ؟!
قلت : أشادوا المدارس والمعاهد والمساجد والجامعات. حفروا الآبار لإسقاء العطشى من الناس . بنوا المستشفيات والمستوصفات . علـّموا العربية لغير الناطقين بها.
استقبلت جامعاتهم الإسلامية عددا كبيرا من الطلبة ، وقام أهل الخير بتفريغهم كدعاة ومعلمين في بلدانهم بعد تخرجهم. أسسوا الجمعيات الخيرية المختصة بتقديم كافة المساعدات ، وبعض الأغنياء كانوا لا يكتفون بما يقدمونه لهذه الجمعيات ، بل يجوبون البلاد النائية بحثا عن المحتاجين وهداية الضالين ، وكانوا في تنقلهم يعانون صعوبات جمّة .
هذا الجهد المبارك شمل إفريقيا ، وآسيا ، وأوربا ، وأمريكا ، وأستراليا. وتكاد لا تجد مكانا في العالم إلا وتشاهد فيه مسجدا أو مدرسة أو بئرا عليه اسم المحسن الذي بناه ، فعلامة الأمة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عندما استنفد البند المقرر لتفريغ الدعاة استمر في تفريغهم على حسابه الخاص ، وحسابه لا يتحمل شيئا من هذا ، فكان يستدين ويستدين ، ويأبى أن يرد أحدا من أهل العلم والفضل إلى أن انتبه بعض التجار القريبين منه ، فكفوه مؤونة واحدة من أعماله في ميدان الدعوة إلى الله ، وبعد وفاة الشيخ رحمه الله لم يتوقف ما بناه ، وقد نفع الله بهؤلاء الدعاة ، ووقفوا سدا لا يخترق بوجه المد الرافضي وبوجه جميع أنواع الهدم والتخريب .
وقبل الاعتداء على مركز التجارة العالمي في نيويورك كان لأحد كبار التجار السعوديين جمعيات خيرية في معظم بلدان العالم وكأنها سفارات لدولة من الدول ، لكنها مختصة بشؤون البر والإحسان .
وعندما دعا داعي الجهاد ، هجر شباب السعودية الترف ومتاع الدنيا ولبّوا النداء، وقاتلوا بشجاعة في كل من : أفغانستان ، والشيشان ، وكوسوفو ، والعراق ، واستشهد عدد كبير منهم ، والذين لم يكتب لهم الشهادة كانت تنتظرهم السجون المظلمة عندما عادوا إلى بلدهم.
قال : ألست تعني هؤلاء الغلاة الإرهابيين الذين قتلوا الآمنين ، وكفـّروا المسلمين ، وروّعوا المسالمين ؟!
قلت : بل أقصد المتصدقين المؤمنين الذين يقاتلون من أجل أن تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى ، والغلو الذي نستنكره ونحذر منه كان في عهد الخلفاء الراشدين ، ولم يخلو منه أي عصر من العصور الإسلامية ، ومنهم الذين قتلوا عثمان بن عفان ، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما . وأحذرك يا أخي من دعاية المنافقين والمشركين الذين يعملون ما بوسعهم على مسخ مفهوم الجهاد.
وقصارى القول : إني لا أعدو الحقيقة إذا قلت : لم يسبق أحد في هذا العصر بالذات أهل الخليج فيما جئت على ذكره في هذا المقال ، ولا أقلل من جهد أهلنا في الشام قبل أن يبتلينا الله بآل الأسد لكنهم لم يبلغوا مبلغ أهل الخليج.
قال : إن الذي يبلغنا من الذين يعملون في دول الخليج خلاف ما أسمعه منك ، فهم يقولون : إنهم جفاة قساة ، يسيئون إلى الذين يعملون في مؤسساتهم ويأكلون حقوقهم ، أما هذا الذي ذكرته عن تجوالهم في بلاد العالم ، فالذي يشاع أنهم في هذا التجوال يبحثون عن شهواتهم ، ومن هذه الشهوات الزواج الذي يشبه المتعة في كثير من الوجوه .
قلت : السعودية كغيرها من بلدان العالم الإسلامي فيها سفهاء لا يخشون الله تعالى ، وغير مستغرب عليهم أن يفعلوا ما ذكره صديقي داخل بلدهم وخارجه ، ولا يجوز إصدار حكم ظالم على بلد بسبب ما يفعله سفهاؤها وهم يمثلون قلة قليلة لا يؤبه لها .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى ، ففي السعودية يعمل كثير من المبتدعين والخرافيين العرب ، وهؤلاء يكرهون دعوة التوحيد ، ومهما أحسن إليهم أهل السعودية ، فهم يخفون كراهيتهم ، ويتصيدون الأخطاء فيضخمونها ، ولسلف هؤلاء تاريخ طويل في الدس والافتراء ، فشيوخهم وشيوخ شيوخهم هم الذين كانوا يقولون : إن الوهابيين يكرهون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانوا وما زالوا يجدون من يصدقهم.
صديقي الفاضل : إن الذي يدعوني إلى هذا الحديث ما يلي : إن العرب السنة اليوم لا يواجهون عدوا واحدا ، وإنما أعداء كثر ، ويصدق فينا قول الشاعر :
وسوى الروم خلف ظهرك روم فعلى أي جانبيك تميل
وقال آخر :
فلو كان سهما واحدا لاتقيته ولكنه سهم وثان وثالث
وأخطر هؤلاء الأعداء ، وأشدهم مكرا ولؤما الرافضة الفرس الذين ينظرون إلى العرب بعيون وعقول قدامى الأكاسرة . ومن مكرهم ودهائهم قدرتهم على إقناع شعوبنا بأنهم قادة الصمود والتصدي والممانعة ضد إسرائيل والأمريكان مع أن تعاونهم مع إسرائيل لا يخفى على كل من يتابع الأحداث ، وفي طليعة الذين صدّقوا هذه الدعاية الإخوان المسلمون في البلاد العربية !! وإذا كانت إيران بعيدة عنهم نسبيا ، فقد صدّقوا أن سورية الباطنية حليفة إيران دولة ممانعة .. نعم صدّقوا هذه المقولة وتناسوا الجولان ، والاتصالات المباشرة وغير المباشرة بإسرائيل ، كما تناسوا القانون “49” الذي ينص على إعدام كل من يثبت انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين !! لا أدري كيف تتخذ القرارات عند أصحابنا ؟!
ومن دهاء ومكر الإيرانيين قدرتهم أيضا على إقناع عربنا بأن السعودية وكل البلدان العربية التي لا تدين بدين الرافضة ، هي دول خنوع واستسلام أو هم أنصاف رجال كما وصفهم القرمطي المعتوه في خطبة من خطبه العصماء ، وهذا الحكم ينسحب على الحكام والشعوب ، ويريدون من وراء إشاعته نزع الثقة بيننا وبين إخواننا وأهلنا في كل بلد عربي ، وإنه لا مفر من حرب ضروس ستنشب بيننا وبين إيران ومشتقاتها في البلدان العربية ، ولست أنا الذي أريد هذه الحرب أو أدعو إليها ، بل هم الذين أرادوها وصرّحوا بها منذ وصول خمينيهم إلى إيران ، لقد رفعوا شعار ” تصدير الثورة ” وأعقبوا هذا الشعار بحروب وفتن لم ينجو منها أي بلد عربي.
وأمام ذلك يجب علينا توحيد صفوفنا ، وجمع شتاتنا ، وقطع الطريق على كل من ينشر الإشاعات ، ويروج للفتنة ، وينشط في خوض معارك جانبية لا يستفيد منها إلا الأعداء.
ودعني أيها الصديق الصدوق أن أختم هذه الجلسة بتوجيه النداء التالي لأهل بلدنا :
يا أهلنا في الشام : إن السعودية قلعة من قلاع الإسلام الشامخة ، فيها رجال يفرحون لفرحكم ويحزنون لحزنكم ، ويعادون من تعادون ، ويبسطون قضيتكم في خطبهم يوم الجمعة ، ويدعون لكم في سرهم ونجواهم ، ولولا المزعجات من الليالي لرأيتم الرياض وقد أصبحت دمشق أخرى .
إن الطريق طويل وشاق ، والأهداف واحدة ، والعدو واحد وإن تعددت سبله، والواجب يحتم علينا أن نفتح باب الحوار بين شعوبنا ، فالشعوب باقية وحكامها يتغيرون ، وما نعجز عن فعله اليوم سيتحقق غدا بإصرارنا وقوة توكلنا على الله سبحانه وتعالى .
قال : إذا كنت قد أعلنت عن ختم هذه الجلسة ، فأريد منك الإجابة على السؤال التالي : لمإذا لا أرى لك حضورا فعّالا في هذه المؤتمرات التي تعقد هنا وهناك ، ومن لا يعرفك قد يظن بك الظنون ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فإن البعض يزعم أن بعض أصحابك شاركوا في بعض هذه المؤتمرات أو هم الذين صنعوا بعضها فهل هذا صحيح ؟!
قلت : هذا سؤال وجيه ، وأسأل الله أن يكتب لنا لقاءً آخر والحمد لله رب العالمين.