مقابلة الشيخ محمد سرور مع جريدة الرأي العام الكويتية
أجرى المقابلة: جاسم الحمادي (1)
الصحفي في جريدة الرأي العام الكويتية
معتبراً أن الحقيقة التي تجلت لشارون وباراك وأرعبتهما أن الجهاد قادم ودولتهم إلى زوال لا محالة.
محمد سرور: نعم.. ندعو إلى الجهاد ولكن من يسمح بذلك والحراس أيديهم على الزناد لوقف من يتظاهر فكيف بمن يحمل السلاح؟!
طريق واحد لتحرير الأقصى هو الإسلام العظيم وجنوده وأبناء الصحوة.
سقطت كل الشعارات المرفوعة أيام الخمسينيات ونقول.. لن ترجعي يا فلسطين ما لم يعيدك مسلمون.
أمام جثة الطفل الدرة اختفت كل الهرطقات الفارغة وتذكر الناس ضحايا اليهود في قبية ودير ياسين وصبرا وشاتيلا.
قيام حرب جديدة ليس من مصلحة إسرائيل.. والمراهنة على قوة الصهاينة نظرية ساقطة.
يقولون الاعتصامات بدعة.. ولا أدري كيف تكون توعية الأمة واستنفار طاقاتـها وحشد جهودها بدعة!
كتب جاسم حمادي:
يمكن للأمة الإسلامية أن تذل إذا جهلت قول ربـها سبحانه وتعالى: ((إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيماً)) لكن إذا علمت الأمة هذا التوجيه الرباني فلن يخيفها شيء لأنـها تريد إحدى الحسنيين النصر أو الشهادة.
هذا بعض ما ذكره الشيخ محمد سرور بن نايف زين العابدين أحد قادة الحركة الإسلامية المعاصرة وهو ممن قطعوا على أنفسهم عهداً بقول الحق وتبصير الناس بأمور دينهم ودنياهم وما يحاك للأمة من دسائس في ظلمة الليل البهيم وخلف الكواليس.
واعتبر الشيخ محمد سرور أن الأمة لا تزال على قيد الحياة بعدما ظن أعداؤها أنـهم قيدوها فعربدوا وتجاوزوا كل الحدود ولم يعد أمام شباب الأمة من خيار سوى الجهاد ورد الظالمين المعتدين. ورداً على سؤال وجهته “الرأي العام” إلى الشيخ محمد سرور عما إذا كانت هناك دماء باردة وأخرى تفور قال: “لا أظن أن هناك دماء باردة ودماء حارة، فالمترفون دماؤهم باردة عادة، لكن المنتظر هو امتصاص هذه الفورة والغليان بالعبارات المعروفة عبر التنديد والإدانة والكلام الفارغ! واعتبر الشيخ محمد سرور “القضية بدوافعها قائمة فهناك مقدسات تنتهك وعدو يتمادى في طغيانه وعالم مشغول بمصالحه” واعتبر أن من الصواب “الاستمرار بالانتفاضة حتى تحقيق الهدف”.
هذا وحرص الشيخ محمد سرور على نشر مقدمة كتبها جاء فيها:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فقد وجهت لي صحيفة “الرأي العام” الكويتية بعض الأسئلة عن الانتفاضة المباركة في القدس وفلسطين كلها، وأمهلتني ساعات قليلة، ولعل الأخوة في الصحيفة لا يعرفون أنني لست من أصحاب الأقلام السيالة، التي تمتاز بغزارة الإنتاج وجودته في وقت أقل بكثير من الوقت الذي حدد لي، ومع ذلك فقد كرهت الاعتذار من الأخ الفاضل جاسم الحمادي حفظه الله، ولا أقول إلا ما قاله غير: ما لا يدرك كله لا يهمل جله.
س: كيف تقرأ الأحداث في الأرض المحتلة؟.
– ارتكب المندوب السامي البريطاني “كرومر” حماقات كثيرة في مصر، كان من بينها القتل والجلد والنفي، فكانت حماقاته سبباً في انتفاضة المصريين ضد الاحتلال الإنكليزي، وتجاوب الأدباء والشعراء مع هذا الحدث الرائع، فقال أحدهم، وأظنه أمير الشعراء أحمد شوقي هذه الأبيات:
فليت كرومراً قد قام فينا يطوق بالسـلاسل كل جيد
ويتحف مصـرانا بعد أن بمقتول ومـجلود شــهيد
لننـزع هذه الأكفان عنا ونبعث في العوالم من جـديد
وأقول بـهذه المناسبة أن حماقات المجرم الصهيوني “شارون” وتحديه لمشاعر كل مسلم هي التي فجرت هذه الانتفاضة المباركة، وذكرت العالم أجمع بأن شعوبنا لا تـهاب الموت في سبيل الله.
وإنني وأنا أتابع أخبار هذه المظاهرات في كل مكان أتساءل:
– أين دعاة الاستسلام (وليس السلام) منذ أيام كيسنجر، ومروراً بكامب ديفيد الأول، ومدريد، وانتهاء بكامب ديفيد الثاني؟.
– أين الذين كانوا يكيلون المديح والثناء على باراك عند انتخابه رئيساً للوزراء، وكان باراك يبادلهم بمثل ذلك، وما كان هؤلاء يجهلون جرائم باراك التي لا تنسى؟!
– أين دعاة التطبيع الذين كانوا يعملون على تذويب جبال الجليد التي تحول بيننا وبين التقارب مع اليهود؟!
– اختفت هذه (الهرطقة الفارغة) أمام جثة الطفل رامي جمال الدرة، وتذكر الناس آلاف الأطفال والشيوخ والنساء الذين قتلهم اليهود: في قبية، ودير ياسين، ونحالين، وخان يونس، ثم في صبرا وشاتيلا.
– اختفت هذه الأصوات المحمومة أمام قراءة كل مسلم (وبصوت مرتفع) لقوله تعالى: ((أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون)) [البقرة:100].
وقوله تعالى: ((أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقا تقتلون، وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلاً ما يؤمنون)) [البقرة: 87 – 88] .
وقوله تعالى: ((لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)) [المائدة:82] .
أجل: اختفت هذه الأصوات المنكرة، وأصحاب الأقلام المأجورة، وأدرك الأحرار بأن الجهاد هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين، وهذه الحقيقة ترعب شارون وباراك، ودعاة الاستسلام والتطبيع كما ترعب الذين جمعهم الرئيس الأمريكي “كلينتون” في شرم الشيخ ليتخذوا موقفاً موحداً ضد الأصولية، وكان له ما أراد!
س: هل تكون هذه الغضبة الشعبية العامة سبباً في تراجع الأنظمة العربية عن سياسة التطبيع مع اليهود.. وما المنتظر من مؤتمر القمة العربية؟
– أتمنى من كل من يطرح عليه مثل هذا السؤال أن يستعرض مواقف الأنظمة العربية خلال ستين عاماً أو يزيد قليلاً، وأن يكون هذا الاستعراض مدعوماً بالوثائق والأدلة مع ذكر المراجع.
– ومن الأمثلة على ذلك الاضراب الفلسطيني في منتصف الثلاثينيات، لقد جعل هذا الاضراب الإنكليز واليهود يعيشون حالة من الرعب لا يحسدون عليها، والتجأوا إلى أهم حكام الأنظمة العربية في تلك المرحلة، بعد عجزهم التام عن وقف هذا الإضراب، وتسابق الحكام في خدمة أسيادهم الإنكليز، وتمكنوا أخيراً من تضليل قادة الإضراب زاعمين أن الإنكليز وعدوهم بالاستجابة إلى مطالب عرب فلسطين، وكانوا كاذبين في زعمهم، والأنكى من ذلك الأسلوب الذليل الذي كانوا يخاطبون به وزير الخارجية البريطاني ليقرأ من شاء هذه الوثائق في ملفات الخارجية البريطانية.
– حرب العام 1948 وقضية الأسلحة المصرية الفاسدة، وباخرة الأسلحة التي اشترتـها سورية من إيطاليا فوصلت إسرائيل بدلاً من وصولها إلى سورية، وقيادة الجنرال الإنكليزي “كلوب باشا” للجيوش العربية! أي والله للجيوش العربية وليس للجيش الإنكليزي ترى هل يعرف معظم الناس في بلادنا هذه المأساة؟!
دعني أيها القارئ الكريم أنقل فقرات من إحدى مقابلات الزعيم الفلسطيني الشيخ محمد أمين الحسيني رحمه الله:
“.. لماذا سلمت قيادة الجيوش العربية العامة إلى يد الجنرال كلوب باشا وجعلته يقلب الخطة الحربية التي وضعها رؤساء أركان حرب الجيوش العربية في الزرقاء في أوائل شهر مايو رأساً على عقب، فيكلف الجيش العراقي أن يهاجم بمدافعه خط ايدن المنيع أمام مستعمرة جيشر ليعود بالخيبة، وينقل الجيش السوري من منطقة بنت جبيل في اتجاهه نحو صفد، في وضح النهار وأمام بصر اليهود، إلى سمخ ويعرضه للهزيمة هناك؟!”.
“لماذا أخليت الرملة، وسحب منها الجيش الأردني بأمر كلوب بدون مبرر، وكان ذلك سبباً في تشريد نحو مئة وخمسين ألفاً من العرب؟”.
“.. لماذا أمر الجنرال كلوب في 17 و 18 مايو سنة 1948 بإخراج المجاهدين الفلسطينيين من مضيق باب الواد، وبإعادة فتحه لتمر منه قوافل السيارات اليهودية حاملة السلاح والمؤمن والمدد من تل أبيب إلى القسم اليهودي من مدينة القدس الذي كان يحاصره المجاهدون الفلسطينيون وكادوا يحملون سكانه البالغ عددهم أكثر من ألف يهودي، على الاستسلام؟”.
أسئلة كثيرة طرحها الزعيم الفلسطيني عن مهزلة حرب 1948، ولماذا هزمت الجيوش العربية أمام حفنة من اليهود وفي عدد من الوثائق والمذكرات العربية والأجنبية، ما يؤكد أن الإنكليز واليهود رتبوا قبل الحرب المناطق التي اتفقوا على أن تكون ضمن دولة إسرائيل، وكان كلوب باشا الخصم والحكم.
– أما حرب 1967، وكيف سقطت سيناء، والضفة الغربية، والجولان، فلقد فضح الرفاق بعضهم بعضاً في مذكرات نشروها، وليقرأ من شاء: سقوط الجولان للضابط خليل بريز، وما كتبه سامي الجندي (أحد قادة حزب البعث)، وما كتبه رئيس الوزراء الأردني سعد جمعة إبان هذه الحرب، ومذكرات موشي ديان وغيره من الجنرالات الذين شاركوا في النصر الذي حققه اليهود.
– أما حرب 1973 فقد أحسن من سماها (حرب تحريك لا حرب تحرير) ولا ندري من كان الخائن فيها: هل هم بعض الضباط الذين جرى إعدامهم ميدانياً بسبب خيانتهم وتعاملهم مع اليهود، ثم أحيط هذا الأمر بالكتمان التام، أم الخائن أكثر من هؤلاء الضباط؟
– هذا عمن سلف من زعماء الأنظمة العربية، لكن سؤالنا عمن يحكم اليوم هل يتخلون عن التطبيع أمام ضغط الشعوب، وما المنتظر من القمة العربية؟.
– أردت مما ذكرته القول: أن بعض هذه الأقدام لمن بعض، فالذين سلف ذكرهم كانوا يتسترون في تعاملهم مع الإنكليز والأمريكان، ولا يقبلون منهم كشف المعاهدات والاتفاقيات السرية، ولم نعلم عن كثير من فضحائهم إلا بعد نشر الوثائق الغربية ومذكرات الزعماء الذين شاركوا في صنع الأحداث.
أما اليوم فزعماء الأنظمة العربية يقولون: أن الأمريكان يحكمون العالم، ولا قبل لنا بحرب اليهود، ولا بعداوة الأمريكان، وأوراق القضية الفلسطينية كلها بيد الأمريكان.
والأمريكان يزدادون احتقاراً لهؤلاء الزعماء واسترضاء لليهود، وعندما يقوم مسؤول أمريكي بزيارة للبلاد العربية، يعلن عن الهدف من رحلته، ثم يتحدث بعد عودته عن النتائج التي توصل إليها، وأن حفظ بعض ماء وجوه الزعماء العرب، أوعز لبعض الصحف الأمريكية لتنشر ما سُكت عن البوح به.
ومما تتناقله الصحف ووكالات الأنباء في هذه الأيام أن أحد الرؤساء العرب خشي من تطور هذه المظاهرات، وخروجها عن المألوف، ووصولها إلى حد تعجز الأنظمة عن ضبطها، ولهذا دعا إلى مؤتمر القمة العربية، ثم يقول لوسائل الإعلام: نريد العودة إلى مسار المفاوضات.
وتضيف الأخبار المنقولة: طلب الرئيس الأمريكي من هذا الرئيس العمل على صدور قرارات معتدلة عن مؤتمر القمة العربية، وستكون هذه القرارات كذلك كما كانت من قبل استجابة لطلبات الرئيس الأمريكي المستمرة.
أما الجامعة العربية فقد رسم الإنكليز إطارها وحدودها، وكان الغرض من إنشائها إجهاض فكرة الوحدة العربية، وفي أحسن الأحوال تصدر عنها قرارات غير ملزمة، ومنذ حرب الخليج الثانية أخذت تلفظ أنفسها الأخيرة، ورئيس السلطة الفلسطينية جزء من هذه المعادلة الهزيلة.
س: هل توقف تـهديدات باراك انتفاضة الشعب الفلسطيني؟!.
– تـهديدات باراك لن ترهب الشعب الفلسطيني المجاهد، وليست أكثر من صرخات مذعور يبحث عن أية وسيلة لإنقاذ كرسي الحكم. من جهة أخرى ليست من مصلحة إسرائيل خوض حرب جديدة، حتى لو كان في وسعها احتلال أرض عربية أخرى، لأن مثل هذه الحرب ستكلفها خسائر بشرية تـهز الكيان الصهيوني من أساسه.
ومن جهة ثالثة: كانت إسرائيل تـهدد خلال الانتفاضة التي جاءت بعرفات إلى غزة، ثم تنتهي مدة التهديد، ويحددون بعدها مدة أخرى وهكذا.
س: ألا ترون وجوب الإعلان عن جبهة لتحرير المسجد الأقصى يؤمها علماء الأمة؟!.
– التعاون والتنسيق بين العلماء والدعاة والجماعات الإسلامية واجب شرعي، ولن نحقق أهدافنا الصغيرة والكبيرة إلا بقيام هذا النوع من التعاون، وهذا ما أدندن حوله في كثير مما أكتبه.
ومن المؤسف أن معظم إخواننا الدعاة مقتنعون نظرياً بـهذه المسألة، لكن هذه القناعة لا تتجاوز عندهم الجوانب النظرية وهكذا يمضي الزمن ونحن ندور حول جماعاتنا الضيقة.
وإنني أنتهز هذه المناسبة لأهيب بإخواني الدعاة إلى فتح باب الحوار بينهم، والسعي الجاد من أجل الاتفاق على مرجية تجمع شتاتنا، وتضع حلولاً لمشكلاتنا.
والذي يبدو لي أن هذه الانتفاضة المباركة جاءت عفوية وسبقت بعفويتها سائر الأحزاب والجماعات، وقد يسهل على مؤتمر القمة العربية وأدها في مهدها، “في حين يصعب عليهم ذلك لو كان وراءها جبهة يؤمها العلماء والدعاة”.
وفي الختام أود تسجيل الملحوظتين التاليتين:
الأولى: يقول بعضهم: أن الاضرابات بدعة، ولا أدري كيف تكون توعية الأمة، واستنفار طاقاتـها بدعة؟!.
في أحداث السيرة أمثلة كثيرة على هذا النوع من الاضرابات، ومثل ذلك في سير علماء الأمة في مختلف مراحل التاريخ.
تحدثت قبل قليل عن إضراب عام 1936، والذي أريد إضافته أن الشيخ كامل القصاب أحد قادة هذا الاضراب، وممثل الهيئة الوطنية لفلسطين وسورية عند الزعماء العرب. والشيخ كامل القصاب كان عالماً من كبار العلماء السلفيين، وقد اختاره الملك عبد العزيز آل سعود في أواسط العشرينيات ليكون مسؤولاً عن التعليم وفتح المدارس، فهل كان الشيخ كامل وعشرات العلماء يجهلون بدعية الاضرابات؟!
الثانية: ارتفعت كل الأصوات في العالم الإسلامي منددة بجرائم قادة إسرائيل إلا صوتاً واحداً أحرجني صمته.. إنه صوت علماء المملكة العربية السعودية، ولا أدري ما حجتهم في ذلك، وكيف يسكتون، وهم يرون ويسمعون أخبار انتهاك “شارون” للقدس؟ بل كيف يسكتون والناس ينتظرون سماع ما يقولون؟!
اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد تعز فيه أهل طاعتك، وتذل فيه أهل معصيتك.
اللهم دمر دولة إسرائيل، وشتت شملهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وبأسهم بينهم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الهوامش:
(1) نشرت المقابلة في عدد يوم الخميس 16 رجب 1421 هـ الموافق 12 أكتوبر 2000 م