نعم.. إنها حرب إيرانية أمريكية
حزب الله عضو في مؤتمر الحوار الوطني الذي كان يناقش مسألة نزع سلاح الحزب وفضلاً عن ذلك فهو جزء من الحكومة وله أكثر من عشرة نواب في البرلمان وهذا يعني قبوله بالنظام الديمقراطي الذي لا مكان فيه للاستبداد والانفراد بالرأي. وهذه واحدة.
أما الثانية فقد كان يعلن انه لا بد وأن ينسق مع الحكومة إذا كان يريد أن ينفذ عملية ضد العدو الصهيوني ولن يورطها بما لا علم لها مسبقاً به.. ونقل على لسان زعيمه نصر الله أنه لن يكون هناك ما يعكر صفو المصطافين في لبنان.
أما الثالثة فالحزب كان يعلم جيداً أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدي أمام قتل ثمانية من جنودها وأسر اثنين ( 12-7-2006 ) وسيكون موقفها في منتهى القوة والبطش ولو أدى ذلك إلى تدمير لبنان.
أما الرابعة فقد قال الحزب عند تنفيذ هذه العملية: إنه يريد تحرير الأسرى اللبنانيين وجدير بالذكر أن عدد هؤلاء الأسرى اللبنانيين لا يتجاوز بضعة أفراد.. وأضاف فيما بعد الأصل تحرير اللبنانيين ولا بأس من تحرير أسرى عرب إن تسنى لنا ذلك. لم يقل الحزب- ولو على سبيل التبجح- نريد تحرير فلسطين أو نريد الضغط على إسرائيل لتتراجع عن حصار غزة وترفع سيفها المسلط على رقاب إخواننا في الضفة الغربية وقطاع غزة.
– فهل تحرير بضعة أفراد يسوغ للحزب الإقدام على هذه المغامرة وفي هذا الوقت بالذات.. ولمإذا سكتت عنهم منذ سنين وتذكرتهم الآن؟!
– وإذا كانت العملية لمصلحة لبنان لمإذا لم يشارك أهل الحل والعقد في اتخاذ هذا القرار وأهل الحل والعقد تمثله السلطتين: التشريعية والتنفيذية.. وهل يقبل أي بلد ديمقراطي في الدنيا أن يتخذ قرار الحرب حزب يمثل الأقلية وأن لا يكون للجيش أي دور؟!
– وكيف تكون المقاومة الوطنية حكراً على طائفة الشيعة ممثلة بحزب الله وبحركة أمل في الدرجة العاشرة من الناحية العسكرية وليس في الدرجة الثانية أو الثالثة أما من الناحية السياسية فحركة أمل غطاء شفاف زائف لحزب الله ولكل من إيران وسورية.. فهل غير الشيعة خونة؟! وإذا كان لا بد من الحديث عن الخيانة فليعد من شاء إلى جيش لبنان الذي صنعته إسرائيل في جنوب لبنان وليبحث عن عدد العاملين فيه من هؤلاء الذين ينعقون بالوطنية ثم ليعد من شاء أيضاً إلى قوائم الذين سلموا أنفسهم عام 2000م وتستر عليهم حزب الله.
أعود إلى السؤال إياه: أن تكون المقاومة حكراً على أبناء الطائفة الشيعية هذا بحد ذاته احتقار للشعب اللبناني وازدراء به.
الأشد غرابة أن ميزانية حزب الله الضخمة وترسانته من الأسلحة.. هذا وذاك يأتي من إيران ولمصلحة إيران. وهذا مما لا يجادل بصحته أحد من العاملين في الحقل السياسي وغني عن البيان أن النظام السوري النصيري تابع لإيران ومثله في ذلك مثل حزب الله وحركة أمل؟!
احتراماً مني لوقت القاريء الكريم أجيب على هذه الأسئلة التي أثرتها بما يلي: هذه الحرب خاضها حزب الله بالنيابة عن إيران وخاضتها إسرائيل بالنيابة عن أمريكا وليس للبنان من ناقة ولا جمل فيها وهذه أدلتي على ذلك:
أولاً – لا تقبل إيران إلا أن يكون لبنان محمية من محمياتها وهي وإن كانت قد أذعنت لخروج القوات السورية من لبنان فإنها لم تترك وسيلة غير مشروعة إلا وسلكتها من أجل استرداد محميتها. لقد نشرت الرعب ورفعت ألوية الإرهاب وقد يقول لي قائل: هذا الذي ذكرته فعلته سورية وليس إيران فأجيب: إيران وسورية وشيعة لبنان ( حزب الله وحركة أمل ومراجع الطائفة) وجوه لعملة واحدة وأنا أتحدث عن المتبوع وليس عن التابع.
فهم -من جهة- شاركوا في الحكومة. ومن جهة أخرى عارضوا الحكومة وشلوا عملها وتحالفوا مع كل عدو لها في الداخل والخارج. وابتدعوا مقولة الإجماع وليس الأكثرية وهذا مما يخالف أبسط معاني الديمقراطية.
شهد لبنان اغتيال أربعة عشر علماً من أعلام السياسة فيه وقال المحقق الدولي: إن الجهة التي اغتالت الحريري هي التي اغتالت الآخرين والمقصود هنا سورية إلا أنني لا أصدق أن سادة سورية في طهران وعملائهم في بيروت لا صلة لهم بهذه الجرائم.
واخترع الأتباع مصطلح “الأكثرية الوهمية”. وصارت دمشق تردد هذا المصطلح ويردده كل من رئيس الجمهوري وميشيل عون وجميع الانتهازيين الذين خسروا نفوذهم بعد خروج القوات السورية من لبنان ثم راحوا يبشرون بان أيام الأكثرية الوهمية في الحكم أصبحت معدودة.. كيف؟ ومتى؟ لا أحد يدري ثم جاء يوم (12-7-2006) فكشف بعض المستور ولا ندري مإذا تخبيء الأيام القادمة فالمسؤول الثاني في حزب الله قال ذات مرة: نحن نفهم السياسة بثياب مرقطة كناية عن الباس العسكري.
ثانياً – الرئيس السوري بشار الأسد لا يستخدم التقية التي كان يستخدمها أبوه و أجداده ويصدق نفسه بأنه خطيب مفوه وهذا سبب كثرة خروجه عن النص. فهو في كل خطبة أو تصريح يأتي بالغرائب فعندما كان قد اشتد الضغط عليه قال في خطاب له سنخلط الأوراق في المنطقة وليس في سورية وحدها. وقال في خطاب آخر “سنقلب الطاولة” وفي هذه وتلك كان يعني مقولة القائل: عليَّ وعلى أعدائي يا رب.. أما تهديداته بل سفاهته نحو الأكثرية في لبنان فحدث ولا حرج.
ثالثاً – عمل لجنة التحقيق الدولي أوشك على الانتهاء وتقدمت المحادثات بين اللجنة والأمم المتحدة من جهة وحكومة لبنان من جهة أخرى من أجل تشكيل المحكمة الدولية التي ستحاكم المتهمين باغتيال الحريري والمتهمون بل والمتورطون هم النظام السوري ممثلاً بالرئيس نفسه ومساعدوه وأعوانه في كل من سورية ولبنان.
وهذا الذي يتهرب منه النظام بشتى الوسائل ويعمل على إشغال العالم بما هو أهم. والأهم قد تكون هذه الحرب التي استمرت شهراً ولا أظنها قد انتهت… وقد يكون الأهم إشعال فتيلة حرب أهلية أشد ضراوة من الحرب الأهلية الأولى.. وهي ربما قد تكون قادمة إذا أصر الحزب على عدم نزع سلاحه.. وأقل هذه الاحتمالات خطورة إسقاط حكومة الأكثرية لسبب أو لآخر ثم لا يجد المحقق الدولي أو مجلس الأمن من يتعاون معهم في لبنان.
ومن شواهدي على صحة هذه الاستدلالات أن عملاء سورية ووسائل إعلامها في البلدين كانوا يصرحون بان المحقق الدولي ومساعدوه حزموا أمتعتهم وغادروا لبنان إلى غير رجعة.
رابعا – إيران مصممة على المضي في مشروعها النووي ومصممة أيضاً على بسط سيطرتها على البلدان العربية وها هي قد سيطرت على العراق و سورية وتريد استعادة سيطرتها الكاملة على لبنان.
وأمريكا مصممة على منع إيران من هذا وذاك لأنهما يهددان مصالحها في المنطقة ومن أجل منعها فهي تستعين بالأمم المتحدة التي تنظر هذه الأيام بالرد الإيراني القائم على المماطلة والتسويف حتى تحصل على الوقت الكافي الذي تتمكن فيه من مفاجئة العالم بنجاح مشروعها.. وإن لم تحقق الأمم المتحدة للولايات المتحدة ما تريده فلا مانع عندها من خوض حرب مدمرة.
إيران تحالفت مع الشيطان الأكبر!! في كل من أفغانستان والعراق فتنفست الصعداء بسقوط عدوين لدودين (صدام وطالبان) وبالمستنقع الذي غرق فيه الأمريكان… وفضلاً عن ذلك فهي تريد -إذا كان لا بد من حرب مع الأمريكان- أن تكون البلدان العربية ساحة المعركة وما الحرب اللبنانية إلا جزء من هذا المخطط وليس هذا ظناً أو استنتاجاً منا وإنما هذا الذي قاله الإيرانيون في التهديدات المتبادلة بينهم وبين الأمريكان.
– قال علي لاريجاني الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني: “إن إيران وضعت سيناريو للرد على محاولات إجبارها عن التخلي عن تخصيب اليورانيوم وخططت لجر المنطقة إلى حرب”.
– ونقلت وكالة الأنباء الإيرانية عن وزير الأمن الإيراني محسني إيحائي في كلمة له في مدينة قم:
“إذا ما أقدمت أميركا أو أي دولة أخرى بشن هجوم على إيران فإن مصالحها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ستتعرض للخطر وأنها ستدفع ثمناً باهظاً.. وتابع إيحائي قوله: أميركا لا تتجرأ على القيام بعمل عسكري لأن مصالحها الحيوية ستتعرض للخطر وإذا ما وقعت الحرب فإن الحدود الجغرافية للحرب لن تنحصر داخل الأراضي الأمريكية بل سيتم استهداف كافة مصالحها في العالم”.
– شن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد هجوماً حاداً على نظيره الأمريكي جورج بوش وقال خلال لقاء مع شبكة “سي بي أس” الإخبارية الأمريكية: إن الإدارة الأمريكية تتحدث إلى الدول ألأخرى بتعال وترغب في بناء إمبراطورية ولا تريد العيش بسلام.
وفيما يتعلق بامتلاك إيران وحدة من الاستشهاد يين في الحرس الثوري يقدر عددهم بنحو 52 ألف مجند مدربين على تنفيذ تفجيرات في الولايات المتحدة وبريطانيا قال نجاد: ” إنه من غير المعقول أن، نقف مكتوفي الأيدي أمام التهديدات الأمريكية ولا نفعل حيالها أي شيء للدفاع عن أنفسنا”.
– وفي المقابل لم تنقطع التهديدات الأمريكية فعلى ذمة مجلة “نيويوركز” الأمريكية: إن أميركا ضالعة إلى حد بعيد في الخطة الإسرائيلية ضد حزب الله قبل خطف الجنديين الإسرائيليين في 12 يوليو. وكتب الصحفي سيمور هرش الحائز جائزة بولتزر والذي كشف عن فضيحة سجن أبو غريب أن الرئيس الأمريكي جورج بوش ونائبه ديك تشيني كانا واثقين من أن حملة قصف إسرائيلية ناجحة على مواقع حزب الله قد تهديء من مخاوف إسرائيل بشأن أمنها وأوضحت المجلة في عددها بتاريخ 21 أغسطس أن إدارة بوش كانت ترى أيضاً في هذه الحملة مقدمة لهجوم وقائي أميركي محتمل لتدمير المنشآت النووية الإيرانية؟
– من جهتها أكدت صحيفة الغارديان البريطانية أن الحكومة الأمريكية شاركت في التخطيط للحملة الهجومية الإسرائيلية على لبنان حتى قيام حزب الله باختطاف الجنديين الإسرائيليين عبر الحدود في يوليو الماضي.
– جاء في صحيفة معاريف (14-7-2006) للكاتب الإسرائيلي(عمير بابورث): “كان للجيش الإسرائيلي خطط وبرامج أعدها سلفاً وكانت معدة في الأدراج –كما يقال- وبانتظار أي تصعيد على الحدود الشمالية والذي كان حسب خطط الجيش أمراً لا بد من وقوعه عاجلاً أم آجلاً. بل إن الجيش الإسرائيلي أجرى مناورات عديدة وتدرب على تنفيذ هذه الخطط قبل أكثر من شهرين”.
قصارى القول: هذه الحرب ليست حربنا والذين ذبحوا الفلسطينيين في صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة والبداوي ونهر البارد والرشيدية وفي العراق لا يمكن أن يحرروا لنا فلسطين.. ولا نريد أن تكون بلادنا ساحة حرب بين إيران وأمريكا.
هذا وقد سألني البعض هل تعتقد أن حرب لبنان قد انتهت؟! لا أعتقد بأنها قد انتهت فحزب الله رفض تسليم سلاحه للدولة والدولة أضعف من أن تنتزعه بالقوة ومن ثم فإيران تستعد لحرب ولن يكون شيعة لبنان حياديين في هذه الحرب ولن يترددوا بتفجير الأوضاع-بقيادة حزب الله- مرة أخرى إذا جاءتهم الأوامر من ولي أمرهم مرشد الفرس- خامنئي – ومن جهة أخرى فلن يقبل الأمريكان وإسرائيل بغير نزع سلاح هذا الحزب.
مإذا أعد الحكام العرب ليوم قادم يهدد حكمهم؟ هل يشعرون بالخطر؟ وإلى متى المجاملات. كم كان رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة صادقا عندما قال في خطبته في مؤتمر وزراء الخارجية العرب: “أكلت يوم أكل الثور الأبيض”لقد أكل عدونا سورية قبل أكثر من أربعين عاماً ثم أكل لبنان حيناً من الزمن ويحاول اليوم العودة إليها مرة أخرى ثم جاء دور العراق عندما احتلها الأمريكان بالتعاون مع إيران وأحفاد ابن العلقمي في العراق وها هم يبشرون بشرق أوسط جديد فإلى متى الصمت والتخاذل؟!