ولا يستخفنّك الذين لا يوقنون
عنوان مقالي هذا جزء من الآية التالية: “فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون” (الروم:60)
أمرنا الله سبحانه وتعالى بالصبر على لأواء الطريق مهما كان طويلاً وشاقاً.. وقد يتساءل المتعجلون: لمإذا حقق أعداؤنا أهدافهم ونحن لا نزال نتخبط في طريقنا على غير هدى.. ولمإذا لا نشق طريقاً آخر نتخفف فيه من بعض الأثقال والقيود؟!
والله سبحانه وتعالى هو الذي تولى الرد على المتعجلين أو المنافقين أو المشركين في قوله:
” فاصبر إن وعد الله حق” وعدنا الله بالنصر والتمكين ووعده جل وعلا حق لا ريب فيه وهو آت مهما طال الزمن ولن يكون من غير صبر وابتلاء وثبات على المنهج الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهذا الذي يسميه المنافقون قيوداً وأثقالاً.
فيا أيها المؤمنون لا يستخفنكم الذين لا يوقنون لأن قلوبهم لم تذق حلاوة الإيمان الذي من الله به عليكم ونفوسهم لا تتطلع إلا لمنفعة ليس فيها بذل جهد.. والخفة-كما يقول بعض المفسرين- مستعارة لحالة الجزع وظهور آثار الغضب. وهي مثل القلق المستعار من اضطراب الشيء لأن آثار الجزع والغضب تشبه الشيء الخفيف فالشيء الخفيف يتقلقل بأدنى تحريك وفي ضده يستعار الرسوخ والتثاقل.. والاستخفاف مناقض للصبر والثبات على الحق ففرعون موسى بكل ما لديه من ترغيب وترهيب لم يستطع التأثير بعقل موسى عليه السلام والقلة القليلة التي آمنت به لكن جمهور قومه استجابوا له واتبعوه فيما هو عليه من شرك وضلالة .. اتبعوه لفسقهم وخفة عقولهم. قال جلَّ من قائل: “فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوماً فاسقين.” (الزخرف: 24)
ولقد بُلينا في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بطواغيت استخفوا عقول الناس عندما رفعوا شعار: الوحدة والحرية والاشتراكية وتحرير فلسطينفاستجابت جماهير الأمة العربية لشعاراتهم وصَدَّقت عهودهم ووعودهم بل وصدقت مزاعمهم بأن الوصول إلى حيفا وعكا وتل أبيب ليس أكثر من نزهة ممتعة.
وبعد حرب الخامس من حزيران التي انتهت بهزيمة منكرة ومخجلة للجيوش العربية وسيطرة إسرائيل على القدس والضفة الغربية والجولان وسيناء. صحا الناس من أحلامهم الوردية ورأوا بأعينهم الحقائق المرة فكذبَّوا بكل ما كان يقال لهم وكفروا بالشعارات المزيفة التي كان يرددها البعثيون والشيوعيون والناصريون وسمع العالم نبأ سقوط القنيطرة من إذاعة دمشق.
وفي حدود معرفتي المتواضعة لم اسمع أن دولة تعلن عن سقوط مدينة مهمة من مدنها قبل أن تسقط وقبل أن يصلها جيش العدو وسمع المدافعون عنها الخبر من إذاعتهم كما سمعه غيرهم وهذا في قوانين الحروب خيانة وإشاعة روح الهزيمة والخذلان.
وخرج أصحاب المذكرات ممن شاركوا في هذا الحدث أو كانوا شهوداً عليه والمختصون بالعلوم العسكرية والذين قاموا بجمع الوثائق التي نشرتخرج هؤلاء كلهم بالنتائج التالية:
1- لم يكن العرب مستعدين لهذه الحرب وكانوا يعلمون جيداً أن خوض غمارها هزيمة منكرة لهم.
2- حزب البعث السوري بل الطائفة النصيرية التي ركبت هذا الحزب كما يركب الحمار هي التي ورطت دول الجوار لفلسطين المحتلة وهي التي لم تحارب.
3- لا يجوز بحال من الأحوال أن تتحول قضية فلسطين إلى شعارات جوفاء تستخدم في أسواق المزايدات وفي تبادل الاتهامات.
وأخيراً ذهبت الناصرية وعبد الناصر وذهب البعث الذي نعرفه ومؤسسوه وذهب الاتحاد السوفييتي وشيوعيته وذهب جورج حبش وميشيل عفلق وغيفارا… ذهب هؤلاء كلهم.. وبقي ما يسمى بحزب البعث في ثوبه الطائفي النصيري فانتقل من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين أو من محاربة الطائفية إلى الدعوة لها والتمسك بأهدابها وإنشاء تحالفات جديدة على هذا الأساس.. ثم اكتشف حافظ الأسد وإيران أن النصيرية والشيعة الجعفرية شيء واحد.
وتحت هذه المظلة وبالتنسيق مع الأمريكان وإسرائيل دخلت القوات السورية إلى لبنان عام 1976 ففي الظاهر كان الأسد يزعم أنه دخل من أجل حماية منظمة التحرير الفلسطينية ولكن الباطن غير الظاهر فلقد تفنن التحالف النصيري الشيعي الإسرائيلي في ارتكاب أقبح أنواع الجرائم ضد الفلسطينيين في مخيماتهم وكانوا يتناوبون الأدوار ولا أدري كيف سيحرر فلسطين من يذبّح الفلسطينيين و يضطهدهم؟!
هؤلاء نتوقع منهم كل شيء إلا خدمة العرب وتحرير فلسطين أما هذا الذي فعله حزب الله في جنوب لبنان فسنتحدث عن أسبابه في مقال قادم إنشاء الله وفي الختام نؤكد لقرائنا الكرام بأن أحفاد الذين فتحوا فلسطين هم الذين سيحررونها من إسرائيل وغير ذلك مستحيل كما أن استمرار دولة إسرائيل مستحيل أيضاً والسلاح الذي حُرِمَتْ منه بلداننا لسنوات طويلة ستتملكه لأن الحصول عليه بطريقة أو بأخرى أصبح ممكناً ولكن للنصر أسباب ونذكر منها في هذه العجالة: أن لا نكرر أخطاء فادحة قد ارتكبناها وأن لا ندع المخربين الهدامين يستخفون بعقولنا.